فصل: النظر الثاني، في المحلوف عليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


كتـــــــاب الأيمـــــــان

والنظر في الحالف، والمحلوف عليه، والحلف، وحكمه، والنكول، فهذه خمسة أنظار‏.‏

النظر الأول‏:‏ الحالــــف

وفي الجواهر‏:‏ هو كل من توجهت عليه دعوى صحيحة فصحت احترازا من المجهولة أو غير المحررة، ومشتبهة احترازا من التي يكذبها العرف‏.‏ وقد تقدم أن الدعوى ثلاثة أقسام‏:‏ ما يكذبها‏.‏ وما يشهد أنها غير مشبهة، وما يشهد بأنها مشبهة كدعوى سلعة معينة بيد رجل، أو دعوى غريب وديعة عند جاره، أو مسافر أنه اودع أحد رفقته، وكدعوى على الصانع المنتصب أنه دفع إليه متاعا ليصبغه، وعلى أهل السوق المنتصبين للبيع أنه اشترى منه، أو يوصي في مرض موته أن له دينا عند رجل فينكر، فهذه الدعاوى مسموعة، ويشرع فيها التحليف بغير خلطة، والتي شهد العرف بأنها غير مشبهة كدعوى دين ليس مما تقدم، فلا يستحلف إلا بإثبات خلطة، قال ابن القاسم‏:‏ وهي أن يسالفه ويبايعه مرارا وأن يتقابضا في ذلك الثمن أو السلعة، وتفاصلا قبل التفرق، وقال سحنون‏:‏ لابد في البيع والشراء من المتداعيين، وقال الشيخ أبو بكر‏:‏ هي أن تكون الدعوى عليه يشبه أن يدعى لمثلها على المدعى عليه، وإلا فلا يحلف إلا أن يأتي المدعي بلطخ، وقال القاضي ابو الحسن‏:‏ أن يكون المدعى عليه يشبه‏:‏ فهذه أربعة أقوال، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ يحلف على كل تقدير‏.‏

لنا‏:‏ ما رواه سحنون‏:‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏البينة على المدعي، واليمين على من أنكر إذا كانت بينهما خلطة‏)‏ وزيادة العدل مقبولة، وقال علي رضي الله عنه‏:‏ لا يعدي الحاكم على الخصم إلا ان يعلم أن بينهما معاملة‏.‏ ولم يرو له مخالف فكان إجماعا، ولعمل المدينة، ولأنه لولا ذلك لتجرأ السفهاء على ذوي الأقدار بتبذيلهم عند الحكام بالتحليف‏.‏ وذلك شاق على ذوي الهيآت، وربما التزموا ما لم يلزمهم من الجمل العظيمة من المال فرارا من الحلف، كما فعل عثمان -رضي الله عنه -، وقد تصادفه عقيب الحلف مصيبة، فيقال‏:‏ بسبب الحلف، فيتعين حسم الباب إلا عند قيام مرجح، لأن صيانة الأعراض واجبة‏.‏

احتجوا‏:‏ بالحديث السابق بدون زيادة ولم يفرق، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏شاهداك أو يمينه‏)‏ ولم يذكر مخالطة، ولأن الحقوق قد ثبتت بدون الخلطة، فأشتراط الخلطة يؤدي لضياع الحقوق، وتختل حكمة الحكام‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن مقصود الحديث بيان من عليه البينة ومن عليه اليمين، لا بيان حال من تتوجه عليه، والقاعدة‏:‏ أن اللفظ إذا ورد لمعنى لا يحتج به في غيره، فإن المتكلم معرض عن ذلك الغير، ولهذه القاعدة قلنا‏:‏ في الرد على ‏(‏ح‏)‏ في استدلاله على وجوب الزكاة في الخضراوات بقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏فيما سقت السماء العشر‏)‏ أن مقصود هذا الحديث بيان الجزء الواجب‏.‏ لا ما تجب فيه الزكاة، وعن الثاني‏:‏ أن مقصوده بيان الحصر وبيان ما تختم به منهما لا بيان شرط ذلك ذلك، ألا ترى أنه أعرض عن شرط البينة من العدالة

وغيرها، ويقول‏:‏ هو مطلق فيحمل على المقيد الذي رويناه‏.‏ وعن الثالث‏:‏ أنه معارض لأن ماذكر ثم يؤدي إلى أن يدعي أدنى السفهاء السفلة على الخليفة أو القضاة أو أعيان العلماء أنه استأجرهم لكنس كنيفه، أو غصبوه قلنسوة، ونحو ذلك مما يقطع بكذبه‏.‏

فرع في الجواهر‏:‏ إذا لم تكن خلطة، والمدعى عليه متهم لم يستحلف، وقال سحنون‏:‏ يستحلف وإن لم تثبت‏.‏

فرع قال‏:‏ تثبت الخلطة بإقرار الخصم لها‏:‏ وبالشاهدين، وبالشاهد واليمين، لأنها اسباب الأموال، وقال ابن كنانة‏:‏ تثبت بشهادة رجل واحد وامرأة واحدة، وجعله من باب الخبر، وقد تقدم ضابط الشاهدة والخبر، وروي ذلك عن ابن القاسم‏.‏

فرع قال‏:‏ إذا رفع الدعوى بعداوة‏:‏ المشهور انه لا يحلف، لأن العداوة مقتضاها الإقرار بالتحليف والبذلة عند الحكام، وقيل‏:‏ يحلف لظاهر الخبر‏.‏

نظائر‏:‏ قال الشيخ أبو عمران‏:‏ خمس مسائل لا تعتبر فيها الخلطة‏:‏ الصانع، والمتهم بالسرقة، والقائل عند موته‏:‏ لي عند فلان دين، والمتضيف عند الرجل فيدعي عليه، والعارية، والوديعة‏.‏

فرع في الكتاب‏:‏ لا يحلف في دعوى الكفالة حتى تثبت الخلطة، وإذا بعت من

رجلين فقبضت من أحدهما حصته، ثم لقيت الآخر فقال‏:‏ دفعت لصاحبي ليدفع لك، فأنكر صاحبه، فأردت تحليفه فليس هذه خلطة توجب اليمين، وإذا ادعيت دينا أو غصبا أو استهلاكا فإن عرفت بينكما مخالطة في معاملة، أو علمت تهمته فيما ادعيت عليه من التعدي، نظر فيه الإمام، فإما أحلفه أو أخذ له كفيلا حتى يأتي بالبينة، وإن لم تعلم خلطته ولا تهمته لم يتعرض له، ولا يحلف أحد حتى تثبت الخلطة‏.‏ في التنبيهات‏:‏ قوله في الكفالة‏:‏ حتى تثبت الخلطة، قيل‏:‏ بين المدعي والكفيل، ولا تراعى خلطة الكفيل مع المكفول وقيل‏:‏ تراعى بين الكفيل والمكفول لا غير، وهو أظهر، لأنه إنما يتكفل الرجل بمن يشفق عليه، وقد يتكفل بخصمه وعدوه مراعاة، وقوله‏:‏ نظر فيه الإمام، قيل‏:‏ جعل الكفالة في الغصب والتعدي، وليس موضعها، وقيل‏:‏ ظاهره‏:‏ أخذ الكفيل بمجرد الدعوى، قال‏:‏ ويحتمل أن معنى الكفيل ها هنا‏:‏ الموكل به، وهو الأظهر، وفي النكت‏:‏ قال غير واحد من القرويين‏:‏ إنما تراعى الخلطة فيما يتعلق بالذمم دون المعينات، ومسائل المدونة في المعينات تشهد لك وقيل‏:‏ المعينات أيضا إلا في مثل أن تعرض سلعتك في السوق فيدعي آخر أنك بعته إياها، قال‏:‏ وهو أبين عندي، لأن الخلطة اشترطت لدفع المضرة، قال بعض القرويين‏:‏ إذا باعه بنسيئة فهو خلطة، وأما بالنقد فحتى تبايعه مرارا، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا قدح في البينة بعداوة أو غيرها لا يحلف المدعى عليه، وقيل‏:‏ يحلف، لأنها لطخ، قال أشهب‏:‏ لا يحلف في تعارض البينات، وإذا انقضت خلطتكما لم يحلف إلا بخلطة مؤتنفة، والذي قال‏:‏ إنه دفع لصاحبه، إنما لم يجعل ذلك خلطة، لأنك انما قلت‏:‏ إن المشتري معك قال‏:‏ إنه دفع لك ما عليه، وهذا لم يثبت، ولو ثبت لم يكن خلطة، وفي الموازية‏:‏ هذا خلطة، والمعتبر في دعوى الكفالة الخلطة بينك

وبين الكفيل دون عليه الدين، لأنك انما وثقت بالمعاملة للكفيل، فلك تحليفه، قال اللخمي‏:‏ لا يحلف المدعى عليه إلا بخلطة أو بينة أو دليل، وذلك يختلف باختلاف الدعوى‏.‏ فأما الدين‏:‏ فاختلف هل تتوجه اليمين بالخلطة، أو دعوى الشبهة‏؟‏ وأما بيع النفد، والدعوى في المعين، والصناع، والودائع، والغصب، والتعدي، والجراح، فالمراعى‏:‏ دعوى الشبهة، وهي أن يشبه أن يدعي مثله على مثله، قال‏:‏ وأرى أن الدعوى إذا كانت من الرجل الصالح لا تكذب غالبا، أن تكفي السنة في الدين وغيره، وإلا فلا، فلا بد من الخلطة والشبهة من ثلاثة أوجه‏:‏ المدعي والمدعى عليه والمدعى فيه، وقول ابن القاسم في دعوى الكفالة‏:‏ لا بد من الخلطة‏:‏ يريد مؤاخاة تقتضي إلاحسان بذلك لا المداينة، لأن الكفالة إحسان، وفي دعوى الهبة قولان‏:‏ يحلف إذا كان بينهما مؤاخاة، ولا يحلف ويراعى في الكفالة من شأنه التوثق منه حين المداينة، فإن كان موسرا، ثم أعسر لم تقبل دعوى الكفالة، ويراعى في الصانع أن يكون ذلك لباسه أو لباس وإلا فلا يحلف، وفي الوديعة ثلاثة‏:‏ أن يملك مثل ذلك في جنسه وقدره، وأن يكون هناك ما يوجب الإيداع والمدعى عليه ممن يصلح لذلك، فالمقيم لا يخرج ماله من داره لودعه، والطاريء يودع مع الإقامة، ودعوى الغصب والتعدي فيها إقرار بملك المدعي مثل ذلك، والمدعى عليه يشبه منه ذلك الفعل، وفي دعوى الرسالة لابد أن يثبت أن الغائب ادعى الإرسال معه بشاهد أو بكتاب يثبت أنه من قبله، أو سماع بين، ويشبه أن الغائب يرسل مع هذا مثل هذا، أو الرسالة ملك للمرسل إليه أو وكيلا مفوضا إليه وإلا لم يحلفه، لأنه لم يوكل على الخصومة ولا على اليمين، وإن ادعى أن العبد أبق منه، وهو في يدك، وانتما من بلد واحد، فلا بد من لطخ أنه ملكه، وإن كان أحدهما طارئا، لم يحلف أحدهما للآخر، لأن الطارىء إن ادعى فهو لا يعلم أن المقيم عرف ذلك، أو المقيم لم يعلم أن الطاريء يعرف ذلك، فإن أقام شاهدا حلف معه، وإن نكل لم

يرد اليمين لعدم علم الآخر بكذب الشاهد، وله إيقافه اليوم ونحوه حتى يبينه، وإن أتى بلطخ سماع أو شاهد فالوقف أقوى في الشهر ونحوه، فإن لم يثبت، سلم لمن كان بيده بعد يمينه إذا اشبه أن يكون عنده من ذلك علم، وإن لم يكونا من بلد سلم إليه من غير يمين‏.‏

فرع في الجواهر‏:‏ يحلف من قام له شاهد ويستحق بشاهده ويمينه في الأموال وحقوقها الخسيس منها والنفيس، المعين وغيره، من إليه أو في الذمة، قال ابن عبد الحكم‏:‏ الشاهد البين العدالة لا يثبت به النكاح والطلاق والعتاق وغير ذلك من غير الأموال، فيكون وجود الشاهد أن يطالب بالإقرار أو يحلف المشهود عليه، فإن امتنع منها‏:‏ فرواية ابن القاسم وبها أخذ ابن القاسم وأكثر الأصحاب أنه يحبس ليقر أو يحلف، وهي الرواية الأخيرة، وروي‏:‏ يقضى عليه بمقتضى الشهادة، وعلى المشهور‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يتحدد حبسه بسنة ويخلي سبيله، وقال عبد الملك‏:‏ يتمادى حبسه حتى يحلف أو يقر، فإن تضمن الحق المالي بدينار أو العكس كشراء زوجته أو الوكالة على قبض مال، فإنه يلحق بالمال، قاله ابن القاسم، لأن المقصود المال، وغيره لغو، ومنع أشهب لما فيه من الحكم البدني، ولا خلاف أن الشاهد وحده لا يقضى به، واختلف العلماء هل القضاء مستند إلى الشاهد، واليمين تقوية، أو اليمين مع الشاهد‏؟‏ لأن كل واحد منهما لو أنفرد لا يقضى به، وفائدته إذا رجع الشاهد‏:‏ غرم نصف الحق كأحد الشاهدين‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ كل جرح فيه قصاص يقضى فيه بالشاهد، وكل جرح لاقصاص فيه مما هو متلف كالجائفة والمأمومة ونحوها يقبل فيه الشاهد واليمين، لأن العمد والخطأ فيه مال‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ التي تثبت بالشاهد واليمين أربعة‏:‏ الأموال، والخلطة، والكفالة، والقصاص في جراح العمد، والتي لا تثبت بالشاهد واليمين ثلاثة عشر‏:‏ النكاح، والطلاق، والعتق، والولاء، والأحباس، والوصايا لغير المعين، وهلال رمضان، وذي الحجة، والموت، والقذف، والإيصاء، ونقل الشهادة، وترشيد السفيه‏.‏ والمختلف فيها تثبت بذلك أم لا‏؟‏ خمس‏:‏ الوكالة قد ماتت، والتجريح، والتعديل‏.‏ ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، ومنع ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الحكم بالشاهد واليمين، قال وينقض القضاء إن وقع وهو نزعه، وأول من قضى به معاوية‏.‏ وليس كما قال، بل أكثر العلماء قاله، والفقهاء السبعة وغيرهم، لنا‏:‏ ما في الموطأ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -‏(‏قضى باليمين مع الشاهد‏)‏ وروي في المسانيد بألفاظ متقاربة، وقال عمرو بن دينار رواية عن ابن عباس‏:‏ ذلك في الأموال، وإجماع الصحابة على غير ذلك‏.‏ روي ذلك عن ابي بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب وعدد كثير من غير مخالف، روى ذلك النسائي وغيره، ولأن اليمين شرع في حق من ظهر وقوي جانبه، وقد ظهر ذلك في حقه ليشاهده، ولأنه أحد المتداعيين فشرع اليمين في حقه إذا رجح جانبه كالمدعى عليه، وقياسا للشاهد على اليد، ولأن اليمين أقوى من المواثيق لدخولها في اللعان دون المواثيق، وقد حكم بالمواثيق مع الشاهد، فيحكم باليمين، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البينة على من ادعى‏)‏ وهي مشتقة من البيان، والشاهد واليمين يبين الحق، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‏)‏ وهذا ليس بفاسق،

فوجب أن يقبل قوله مع الشاهد، لأنه قابل بالفرق، احتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏واستشهدوا شهدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان‏)‏ فحصر المشروع عند عدم الشاهدين في الرجل والمرأتين، فالشاهد واليمين زيادة في النص، والزيادة نسخ، وهو لا يقبل في الكتاب بخبر الواحد، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لحضرمي ادعى على كندي‏:‏ ‏(‏شاهداك أو يمينه‏)‏ ولم يقل‏:‏ شاهدك ويمينك‏.‏ وقال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر‏)‏ فحصر البينة في المدعي واليمين في جهة المنكر، لأن المبتدأ محصور في خبره، واللام للعموم، فلم يبق يمين في جهة المدعي، ولأنه لما تعذر نقلالبينة للمنكر تعذر نقل اليمين للمدعي، وقياسا على أحكام الأبدان، ولأن اليمين لو كان كالشاهد لجاز تقديمه كأحد الشاهدين مع الآخر‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنا نسلم أنه زيادة، لكن نمنع أنه نسخ، لأن النسخ الرفع، ولم يرتفع شيء، وارتفاع الحصر يرجع إلى أن غير المذكور غير مشروع، وكونه غير مشروع يرجع إلى البراءة الأصلية، والبراءة الأصلية ترتفع بخبر الواحد اتفاقا، ولأن الآية واردة في التحمل دون الأداء، لقوله تعالى‏(‏إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أن تضل إحداهما فتذكر احداهما الأخرى‏)‏ واليمين مع الشاهد لا تدخل في التحمل، فالحصر في التحمل باق، ولا نسخ بكل تفسير، ولأن اليمين تشرع فيمن ادعى رد الوديعة، وجميع الأمناء، والقسامة، واختلاف المتبايعين، وينتقض ما ذكر ثم بالنكول وهو زيادة في حكم‏.‏ وعن الثاني‏:‏ أن الحصر ليس مرادا بدليل الشاهد

والمرأتين، ولأنه قضي بلفظ يختص باثنين لخصوص حالهما فيعم ذلك النوع وكل من وجد بتلك الصفة لا تقبل منه إلا بشاهدين، وعليكم أن تبينوا أن تلك الحالة مما قلنا نحن فيها بالشاهد واليمين‏.‏ وعن الثالث‏:‏ أن اليمين التي على المنكر لا تتعداه، لأنها اليمين التي عليه، وهي اليمين الرافعة، واليمين التي مع الشاهد هي الجالبة فهي غيرها، فلم يبطل الحصر، وهو الجواب عن قولهم‏:‏ إنما لم يتحول اليمين، فإنا لم نحول تلك اليمين، بل أثبتنا يمينا أخرى بالسنة، مع أن التحول واقع غير منكر، لأنه لو ادعى عليه فأنكر لم يكن للمنكر إقامة البينة، ولو ادعى القضاء، كان له إقامة البينة مع أنها بينة، فأقيمت في الحالين‏.‏ وعن الرابع‏:‏ الفرق بأن الشاهدين معناهما مستويان، فلا مزية لأحدهما في التقديم، واما اليمين فإنها تدخل القوة لجهة المدعي بالشاهد، فلا قوة فلا تشرع، والشاهدان شرعا لأنهما حجة مستقلة مع الضعف، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ في أحكام الأبدان، وخالفنا ‏(‏ش‏)‏ يحلف المدعي قبل قيام شاهد، فإن نكل حلف المدعي‏.‏ لنا‏:‏ قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل‏)‏ فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يثبت إلا بهما، فمن قال باليمين مع النكول فعليه الدليل، وقال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏)‏ وإنما أمر بهذه الشهادة لأنها سبب الثبوت، ولأن الشاهد والمرأتين أقوى من اليمين والنكول، لأنها حجة من غير

جهة المدعي ولم يثبت بها فلا يثبت بالآخر، ولأن ما ذكروه يؤدي إلى استباحة الفروج بالباطل، لأنها إذا أحبها ادعى عليها فتنكر، فيحلفها فتنكر، فيحلف فيستبيحها بتواطىء منها، ولأن المرأة قد تكره زوجها فتدعي عليه في كل يوم فتحلفه، وكذلك الأمة تدعي العتق، وهذا ضرر عظيم‏.‏ احتجوا بقضية حويصة ومحيصة في قضية عبد الرحمن بن سهل، وهي في الصحاح‏.‏ وقال فيها - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏يحلف لكم يهود خمسين يمينا‏)‏ ولأن كل حق توجهت اليمين فيه على المدعى عليه، فإذا نكل ردت على المدعي، أصله‏:‏ المال، وقياسا على اللعان، فإن المرأة تحدد بيمين الزوج، ونكولها عن اليمين، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر‏)‏ وهو عام يتناول صورة التنازع، لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال لركانة لما طلق امرأته البتة‏:‏ ‏(‏ما أردت بالبتة‏؟‏ فقال‏:‏ واحدة، فقال له‏:‏ الله‏:‏ والله ما أردت إلا واحدة‏؟‏‏!‏فقال‏:‏ والله ما أردت إلا واحدة‏)‏ فحلفه بعد دعوى امرأته الثلاث، والجواب‏:‏ أن الأيمان تمت بعد الموت، وهو وجوده مطروحا بينهم وهو أعداؤه، وغلطه خمسين، بخلاف صورة النزاع في المعنيين، ولأن القتل نادر وفي الخلوات حيث يتعذر الإشهاد فغلظ أمره لحرمة الدماء‏.‏ وعن الثاني‏:‏ أن المدعى عليه ها هنا لا يحلف بمجرد الدعوى فانحسمت المادة‏.‏ وعن الثالث‏:‏ أن اللعان مستثنى للضرورة، فجعلت الأيمان مقام الشهادة لتعذرها وضرورة

الأزواج لنفي العار وحفظ النسب‏.‏ وعن الرابع‏:‏ أنه مخصوص بما ذكرنا من الضرورة وخطر الباب‏.‏ وعن الخامس‏:‏ أنه وان صح فالفرق‏:‏ أن أصل الطلاق ثبت بلفظ صالح بل ظاهر للثلاث، ودعوى المرأة أصل الطلاق‏:‏ وليس فيه ظهور، بل مرجوح باستصحاب العصمةا‏.‏

فرع وفي الجواهر‏:‏ يحلف مع المرأتين في الأموال، وقاله ‏(‏ح‏)‏، ومنع ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وواقفنا في الشاهد‏.‏

لنا‏:‏ أن الله تعالى أقام المرأتين مقام الرجل، فيقضى بهما مع اليمين، ولما علل ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏نقصان عقلهن قال‏:‏ ‏(‏عدلت شهادة المرأتين بشهادة رجل‏)‏ ولم يخص موضعا دون موضع، ولأنه يحلف مع نكول المدعى عليه، فمع المرأتين أولى، ولأن المرأتين أقوى من اليمين لأنه لا يتوجه عليه يمين معها، ويتوجه مع الرجل‏.‏ وإذا لم يعرج على اليمين إلا عند عدمهما كانتا أقوى فيكونان كالرجل، فيحلف معهما‏.‏ احتجوا‏:‏ بأن الله تعالى إنما شرع شهادتهن مع الرجل، فإذا عدم الرجل لقت، ولأن البينة في المال إذا خلت عن رجل لم تقبل، كما لو شهد أربع نسوة، فلو أن امرأتين كالرجل لتم الحكم بأربع، ولقبلنا في غير المال كما يقبل الرجلان، ويقبل في غير المال رجل وامرأتان، ولأن شهادة المرأة ضعيفة تتقوى بالرجل، واليمين ضعيف فينضم ضعيف إلى ضعيف‏.‏ والجواب عن الأول‏:‏ أن النص دل على أنهما يقومان مقام الرجل، ولم يتعرض لكونهما لا/

يقومان مقامهما مع اليمين، فهو مسكوت عنه دل عليه الإعتبار المتقدم، كما دل اعتباره القمط والجذوع وغيرها‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن عد بينا أن المرأتين أقوى من اليمين، وإنما لم تستقل النسوة في احكام الأبدان، لأنها يدخلها الشاهد واليمين، ولأن تخصيص الرجال بموضع لا يدل على قوتهم، لأن النساء قد خصصن بعيوب الفرج وغيرها، ولم يدل ذلك على رجحانهن على الرجال، وهو الجواب عن الثالث‏.‏

تفريع‏.‏ في الجواهر‏:‏ لليمين أربعة أحوال‏:‏ الحالة الأولى‏:‏ أن تكون ممكنة كما تقدم فيحلف ويستحق، كان واحدا أو جماعة، مؤمنا أو كافرا، حرا أو عبدا، ذكرا أو أنثى، فإن نكل ردت على المطلوب، وإن حلف بريء، فإن نكل غرم بالنكول مع الشاهد، وهو أقوى من اليمين مع الشاهد، لكونه من جهة المطلوب‏.‏

فرع مرتب

فلو حلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا آخر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يحكم له به، لأن نكوله قاطع لحقه، وفي الموازية‏:‏ يحكم له، وإذا فرعنا على الحكم فمعناه‏:‏ يحلف معه، لا أنه يضم إلى الأول، وإذا نكل فهل يحلف المطلوب مرة أخرى لأنه لم يستفد باليمين الأولى سوى إسقاط الشاهد الأول أو يسقط حقه بغير يمين المطلوب، لأن يمينه قد تقدمت‏؟‏ والأول في الموازية، والثاني لابن ميسر‏.‏ الحالة الثانية‏:‏ أن يتعذر كشاهد في حبس على الفقراء فيتعذر تحليفهم، لأن كل معين منهم لا يستحق الملك فلا يحلف، وانما لم يحلف من يستحف الملك فهو كالثنيا في الطلاق تنتقل اليمين إلى المطلوب بجامع التعذر‏.‏ الحالة الثالثة‏:‏ أن يمكن في الاستقبال دون الحال، كالصبي يمتنع يمينه حتى يبلغ

ويحلف المطلوب الآن على المشهور لحصول التعذر الآن، لأنه لا بد للشاهد من أثر ناجز، فإن حلف ففي إيقاف المشهود به إذا كان معينا كدار أو عبد، أو هو ما يخشى تلفه إن لم يوقف، قولان مبنيان على الخلاف‏:‏ هل الحكم مستند إلى الشاهد، واليمين مقوية فيوقف المطلوب، أو ليس مستندا إليه فلا يوقف لعدم السبب‏؟‏ وإذا نكل المطلوب أخذ المشهود به منه، وفي أخذه تمليكه أو إيقافه، الأول في الموازية والثاني في الواضحة‏.‏ ويتخرج على هذا الخلاف‏:‏ استحلاف الصبي عند البلوغ، وإذا قلنا بأخذ الإيقاف والحلف بعد البلوغ فنكل، حلف المطلوب وبريء، فإن نكل أخذ الحق منه، وإذا استحلف المطلوب أولا، ثم استحلف الصبي فنكل اكتفى بيمين المطلوب الأولى على المشهور، وأشار بعضهم إلى إمكان الخلاف وإذا حلف المطلوب أو نكل فلم يحكم عليه على الخلاف المتقدم‏:‏ كتب الحاكم شهادة الشاهد وسببها واسجلها للصغير خوفا من ضياع حقوقه بموت الشاهد لم تغير حاله عن العدالة قبل البلوغ‏.‏

فرع مرتب

إذا مات الصبي قبل بلوغه حلف وارثة الآن واستحق، فلو كان الصغير لا مال له ينفق عليه أبوه بالحكم عليه بذلك، فطلب الأب أن يحلف مع الشاهد، ففي الموازية‏:‏ المنع، لأنه يحلف ليملك غيره، وروي التمكين من ذلك لما له في ذلك من النفقة، فتسقط النفقة عنه، ومنشأ الخلاف‏:‏ كون القضية مستندة إلى مجرد شهادة الشاهد أم لا‏.‏ الحالة الرابعة‏:‏ إمكانها من البعض، كشاهد على وقف على بنيه وعقبهم، فيمكن من الولد دون أعقابهم لعدمهم، فالأصحاب على امتناع اليمين مطلقا، تغليبا للتعذر، وروي‏:‏ يحلف الجل ويثبت الوقف على حسب ما أطلقه المحبس لقيام الجل مقام الكل، وروي‏:‏ إن حلف واحد ثبت كله للموجود، والمعدوم، والغائب، والحاضر، تغليبا للإمكان، وروي تفريعا على الثبوت فيمين الحاضر مع الشاهد، إن نكل الجميع لم يثبت لواحد منهم حق، أو البعض، فمن حلف أخذ نصيبه دون من نكل، وكذلك إذا انقرض البطن الأول

ووجد البطن الثاني، فإنهم لا يستحقون شيئا إلا بالأيمان كالبطن الأول، وقيل‏:‏ من لم يحلف أبوه لا يستحق شيئا وإن طلب الحلف، وسبب الخلاف‏:‏ هل يتلقى البطن الثاني منافع الوقف عن الواقف أو البطن الأول‏؟‏ وعليه يتخرج‏:‏ لو حلف واحد من البطن الأول ونكل سائرهم، وقلنا يستحق نصيبهم ذو وبقي الناكل هل يدفع نصيبه إلى بعض أهل أو إلى البطن الثاني وما دام أحد الناكلين حيا لا يستحق البطن الثاني شيئا، فإذا مات جميع من حلف ونكل، انتقل حكم الشهادة إلى البطن الثاني، فمن حلف استحق، ومن نكل لم يستحق شيئا، ويتخرج على ذلك أيضا‏:‏ هل يفتقر أهل البطن الأول فيما رجع إليه عمن مات من طبقتهم إلى غير محددة، كما في استحلاف البطن الثاني بعد انقراض الأول‏؟‏ قولان‏.‏

فرع قال‏:‏ الشاهد والنكول، والمرأتان والنكول، والمرأتان واليمين والنكول، كالشاهد واليمين‏.‏

فرع قال‏:‏ كل دعوى لا تثبت إلا بشهادين، لا يحلف فيها بمجرد الدعوى ولا يرد على المدعي، ولا يجب فيها، كالقتل العمد، والنكاح، والطلاق، والعتاق، والنسب، والولاء، والرجعة، ونحوه‏.‏

فرع في النوادر‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا أقام شاهدا أنه شتمه لا يحلف، بل يحلف الشاتم كالطلاق، وإن كان الشاتم معروفا بالسفه غرم‏.‏

فرع‏:‏

قال مالك‏:‏ يجوز الشاهد واليمين، والمرأتان واليمين فيما يؤدي إلى الطلاق والعتق، ونقض العتق، والحد، كدين متقدم على عتق فينقض، وكذلك بالنكول مع يمين الطالب، وعن ابن القاسم‏:‏ لا يرد بالنكول ولا باقراره أن دينا عليه قبل العتق، قال مالك‏:‏ وفي شراء الزوج لامرأته، فيفرق بينهما في أن المقذوف عبد فيزول الحد، أو في أداء الكتابة فيعتق المكاتب، أو في بيع عبد منك فيحلف ويبطل عتق البائع المتقدم، وفيمن حاز نفسه بالحرية أنه مملوك لفلان، فيبطل العتق ويبطل الحد عن قاذفه، ويتشطر الحد عليه، قال أشهب‏:‏ إذا وطئها ثم ادعى شراءها فأقر له سيدها، أو أنكر ونكل عن اليمين ملكها ولا يسقط الحد، أو شاهدا وامرأتين سقط، قال‏:‏ وهذا لم يكن في حوزه، وخالفه ابن القسم، قال سحنون‏:‏ ويثبت بالشاهد واليمين‏:‏ الغصب والاستهلاك، وجراح الخطأ، والإبراء من الأموال أو من الجناية أو من العيوب في المبيع، والإقرار بأن ما شهدت به بينته باطل، قال ابن القاسم‏:‏ وفي كل جناية عمد لا قود فيه، واختلف قوله في القصاص فيما دون النفس، ورجع للمنع، وفي الموازية‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ يقبل في صغير جراح العمد كالموضحة والإبع ونحوه من المأمون على النفس، بخلاف ما يخاف فيه على النفس، وفي أنها ألقت بالجناية مضغة، وتستحق العدة دون الكفارة، قال مالك‏:‏ وفي أنه الوارث فيأخذ الميراث بعد الإستباء إذا ثبت النسب والموت بغير ذلك، قال مالك‏:‏ إذا أقام شاهدا أنه أوصى إليه لا يحلف، بل يوليه الإمام إذا راه أهلا، قال ابن القاسم‏:‏ ويثبت بالشاهد واليمين أنه خالع على مال ويأخذه، قال عبد الملك‏:‏ لا يثبت بذلك أنه أوصى بثلثه للمساكين، قال ابن القاسم‏:‏ إذا ادعت على زوجها صداقا إلى موت

أو فراق، حلفت مع شاهدها، ولها صداق مثلها إلا أن يكون ما وصل إليها من العاجل أكثر فلا ينقص هذا وقبل البناء لم تحلف لأنها تدعي فسخ النكاح، ويقضى بذلك في قتل العبد فيستحق قيمته من الحر، أو رقبة العبد القاتل، ولا يقتص من العبد بذلك، قال محمد‏:‏ ولا من جراح العبد بذلك، وقال أصبغ‏:‏ يأخذ الأرش، وإن أراد القصاص حلف العبد واقتص له، قال مالك‏:‏ إن حلف بالطلاق ليقضينه إلى أجل، فأقام شاهدا قبله أنه قضاه، حلف وسقط الحق، وزال الحنث، وكذلك اليمين والنكول من الطالب، أو اقراره، وأما إلى الأجل فلا يبرأ الإ بشاهدين قبل الأجل، ولا يبرأ باقراره ولا غيره، ولكن يسقط الحق، قال عبد الملك‏:‏ يبرأ بالإقرار، قال مطرف‏:‏ وكذلك لو شهد له شاهد بعد الأجل بالقضاء قبل الأجل، وشاهدان على شهادة امرأتين بمثل ذلك خرج من الحنث، ولو شهدتاهما لنفسهما مع هذا الرجل لم يسقط الحنث، وإن شهد شاهد بوصية فيها عول أو فيها عشرة دنانير لرجل مات قبل موت الموصي ولم يعلم به، وفيها عشرة في السبيل، قال عبد الملك‏:‏ يحلف مع الشاهد ولا يأخذ إلا ما أعطاه العول، وإنما يدخل عليه العول بعد يمين الورثة بسبب الشهادة للمجهولين أو الميت، وهو يوجب العول ويقاص من يحلف من أهل الوصايا بإدخال ذلك عليهم، فصار ذلك حقا للورثة يجعلهم يحلفون مع هذا الشاهد، وقال ابن القاسم‏:‏ لا يحلفون، بل إجازة الشهادة لأحد أخذه بقسطه وما ينويه مع غيره، وإن لم يأخذه أهله وشاهده أوجب الحصاص، ثم لمن لم يحلف، ولو شهد آخر الناكلين لأخذ حقه من الثلث بغير حصاص، قال ابن القاسم‏:‏ إن شهد لك بوصية أو صدقة فوقف ذلك ليأتي بشاهد آخر فلم يجد، يقسم ذلك القاضي بين الورثة فحت بشا أخرى ينقض الحكم وقضى لك، وما فات بولادة أو عتق لم

يرد، ويأخذ ثمنه إن بيع، فإن لم يفت بذلك عند المشتري أخذته ودفعت ثمنه للمشتري، وترجع أنت بالثمن على الورثة البائعين له، وتدفع ما أنفق في الأرض من بناء أو غيره، ويتبع الوارث‏.‏

فرع قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يحلف السفيه البالغ مع شهاده بخلاف الصبي، لأن له وازعا دينيا، ولأنه جالب بيمينه لا دافع مالا، والسفه إنما يقدح في الدفع، فإن نكل حلف المطلوب وبرىء، فإن نكل غرم، ولا يعود اليمين للسفيه الناكل إذا رشد، وكذلك المولى عليها إذا صلح حالها، وقال ابن كنانة‏:‏ لها الرجوع إلى الحلف عند صلاح الحال، وكذلك النصراني يسلم لأنه قضاء قدر فلا رجوع له، وقال مطرف في السفيه يقوم له شاهد‏:‏ إن حلف المطلوب وخر السفيه، فإذا رشد قضي له، وإن أبى لم يكن له يمين على المطلوب، ولو كان المطلوب قد نكل أولا أخذ منه الحق، فإن رشد السفيه مضى، وإن نكل رد إلى المطلوب، وكذلك إن كان صبيا‏.‏ في التنبيهات‏:‏ اختلف في يمين القضاء على السفيه، فمعظم الأندلسيين يسقطونها، لأنه لو نكل عنها لم يستحق الطالب بنكوله حقا، وأوجبها جماعة، قال الأصيلي وغيره، وقال أبو العباس ابن ذكوان، وابن عقاب‏:‏ تؤخر اليمين إلى رشده ويحكم، فإن حلف حينئذ والا صرف ما حكم له به عنه، فإن رشد فقام بحقه وقد مات الوصي، أو المحجور عليها بموت زوجها وأبويها أو وصيها، ثم ترشد فأفتى الشيوخ في أحكام ابن زياد‏:‏ أن لا يمين عليها، لأنها تحب قبل، وتأخذ الآن حقها بغير يمين إلا أن يدعي عليها علمها بقبض الوصي فتحلف، وقال ابن عتاب وغيره‏:‏ إذا رشدت صارت كغيرها،

قال‏:‏ وهو الصحيح عندي، قيل‏:‏ وسواء ادعي عليها بذلك أم لا، إلا أن يكون الزوج حاضرا ولا يدعي عليها شيئا فلا يمين بوجه يقضي القاضي لها، وقيل‏:‏ لا يحكم في مثل هذا حتى يحلف المحكوم عليه يمين القضاء، كان حاضرا مطلوبه أو غائبا على ظاهر المدونة، والصحيح‏:‏ لا يلزم في الحاضر إلا بدعواه على ما ادعى خصمه إلا ما ليس عليه يد لأحد، لاحتمال أن يكون لغائب حجة أقوى، واختلف إذا ادعى السفيه دعوى وجبت فيها اليمين فردت عليه، فقيل‏:‏ يحلف، وقيل‏:‏ لا يحلف، لأن نكوله لا يوجب شيئا، والصواب‏:‏ يحلف ويستحق، فإن نكل فهو على حقه متى شاء أن يحلف حلف واستحق، كما لو كان له شاهد ولم يحلف معه فإنه على حقه‏.‏

فرع قال في كتاب ابن سحنون‏:‏ الأخرس الذي لا يفهم عنه، شهد له شاهد فرد يمينه على المطلوب، فإن حلف بريء، نكل غرم، وكذلك المعتوه وذاهب العقل، إن حلف المطلوب ترك إلى أن يبرأ المعتوه فيحلف ويستحق‏.‏

فرع إذا ثبت دين على الميت، ووجد شاهد بالبراءة، والوارث صغير، حلف الطالب‏:‏ ما قبض، ويأخذ الآن، فإذا كبر الوارث حلف واسترجع المال‏.‏

فرع قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا أمرت عبدك أو وكيلك‏.‏ بقضاء دينك فجحد القابض وأقام شاهدا، حلف العبد أو الوكيل وبرئت بغير يمين، كان الوكيل مسلما أم لا، لأنه للوكيل شهد، فإن نكل الوكيل غرم بعد رد اليمين على الطالب له لتفريطه لعدم تكميل النصاب عند الدفع ونكوله، وإن نكل العبد حلفت كما يحلف مع شاهد بحق للعبد بعد موته، لأنه مالكه هو وماله، وإن كان الوكيل

عديما أو ميتا حلفت مع الشاهد، وإن نكل وكيلك عبد لغيرك ضمن إذ لم يشهد شاهدين إن كان مأذونا له، وإن كان وكيلك معدما ونكل حلفت‏:‏ لقد وصل الحق‏.‏

فرع قال‏:‏ قال مطرف‏:‏ إذا شهد للمأذون شاهد بحق له، ونكل لا يحلف سيده، ونكول العبد كإقراره جائز، فإن مات حلف السيد لأنه وارثه‏.‏

فرع قال قال مالك‏:‏ إذا استحق من يدك ما اشتراه شريكك الغائب المتفاوض، وشهد شاهد أن شريكك اشتراه، حلفت أنت معه، وإن لم تثبت الوكالة حلف الوكيل‏.‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ الرسول لقبض الثمن ينكر القبض من المبتاع، يحلف الرسول مع الشاهد، فإن تعذر لصغر ونحوه‏:‏ حلفت أنك ما تعلم رسوله لرسولك وتستحق‏.‏

فرع قال في الموازية لمالك‏:‏ إن بعت لإبنك الصغير أو سلمت، حلفت مع الشاهد، فإن ردت اليمين على المشهود عليه حلف وبريء، وغرمته، وكذلك يغرم الوصي إذا ادعى غريم الميت الدفع للوصي، فرد الوصي اليمين على الغريم لجنايته برده اليمين‏.‏

فرع قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا امتنع الوارث من اليمين مع الشاهد، حلف غريم الميت وأخذ حقه، فإن فضل شيء لم يحلف الوارث لأنه نكل أولا، إلا أن يقول‏:‏ لم أعلم أن فيه فضلا، ويعرف ذلك، قال سحنون‏:‏ وإنما بريء بتحليف الوارث، لأنه لو نكل الغريم عن اليمين أنه لم يقبض حقه لكان للوارث اليمين مه الشاهد، وذلك إذا لم يقم الغرماء، أما لو قاموا، أو ثبتت حقوقهم وطلبوا الحلف لأنهم أولى بالتركة، قال محمد‏:‏ المعروف لمالك تبدئية الوارث إن كان فضل، وإلا فلا يحلف إلا الغريم، فإن نكل حلف الغريم وبريء، وعن مالك‏:‏ إن قام الغريم حلف الوارث، فإن نكل حلف للغريم، وإن فضل شيء لم يأخذه الوارث إلا باليمين، قال أصبغ‏:‏ فإن حلف الغريم، ثم طرأ مال للميت أخذ منه، ولا يأخذ الوارث بيمينه، ولا يكفي اليمين التي مع الشاهد، قال محمد‏:‏ بل ليس للغريم ولا الوارث أخذ بالدين إلا بيمين الوارث، ولا يكفي اليمين الغرماء الذين حلفوا أولا لأنه لما طرأ مال يفي بدينهم صار الوارث أقصد ولو لم يطرأ مال، لكن لما حلف الغريم ترك دينه للميت فلا يأخذه الوارث إلا باليمين، لأن الدين لما ترك صار الميت كمن لا دين عليه، إلا أن يبين أنه ترك للوارث أو للغريم، فإذا نكل الغريم حلف المطلوب وبريء، ولا حق للوارث إلا ان يفضل عن الدين فضل فيحلف، قال عبد الملك‏:‏ ليس للمديون الحي أن يحلف غريمه ما دام لم يحجر عليه فيحلف كل طالب على أن الذي شهد به الشاهد حق، لا على نصيبه، لتطابق اليمين الشهادة، ومن نكل لم يحاصص، وإن رجع بعد النكول لا يقال، قاله مطرف، وقال عبد الملك‏:‏ يقال، وليس كنكوله عن حق نفسه، لأنه يظن

الغريم يحلف، ولا يحلف الغريم على براءة ذمة المطلوب الميت أو المفلس من دين كان عليه، لأنه رجم بالغيب، وقال محمد‏:‏ له ذلك لأجل إخبار الشاهد‏.‏

فرع قال‏:‏ قال مالك‏:‏ يحلف الموصى له بالثلث مع شاهد لحق للميت، فإن نكل حلف الغريم وبريء‏.‏

فرع قال‏:‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ شهد للميت شاهد بدين مؤجل، يحلف غريمه معه، وأخذ منه، فإن طرأ مال قبل الأجل أخذ منه حقه، ولا يأخذه الوارث حتى يحلف، فإن نكل لم يأخذ من المشهود عليه شيئا‏.‏ وحلف وبريء، فلو حل وأخذه الحالف، ثم طرأ مال أخذه الوارث ولا يأخذ الأول، ولو كان مال حاضر فقال الوارث‏:‏ آخذه، ورضي الغريم بأن يحلف ويأخذه لم يجز، ولا يحلف إلا الوارث، وإنما يحلف الغريم إذا لم يكن للميت مال، فلو لم يكن غير الدين وحلف بعض الغرماء وأبى البعض، أخذ الحالف جميع حقه من هذا الدين، لا مقدار حصته، والوارث ليس له في مثله إلا حصته لتعلق حق الوارث بعين المال، والغريم لا يختص‏.‏

فرع قال‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا نكل عن اليمين مع الشاهد وحلف المطلوب وبريء، فوجد شاهدا آخر أيتف له الحكم به لأن اليمين أسقطت المطلوب بالشاهد الأول، وقال ابن ميسر‏:‏ لا ترد اليمين على المطلوب ثانية، لأنه قد بريء بحلفه الأول، قال ابن القاسم‏:‏ لا يضر إلى الأول‏.‏ وقد بطل حقه بنكوله، بخلاف الذي يحلف لعدم البينة ثم يجدها، قال مالك‏:‏ فإن كان القاضي لا يقضي

بالشاهد واليمين ضم أيضا إلى الأول، وقضى له، كما إذا حلف ثم وجد البينة، قال ابن كنانة‏:‏ هذا وهم، وإنما قاله مالك في الحقوق التي لا يحلف فيها كالطلاق‏.‏

فرع قال‏:‏ قال مطرف‏:‏ إذا أحلفت غريمك وبريء، ثم وجدت شاهدا، لا يحلف ولا يقضى لك إلا بشاهدين، لأنه لكنه لا يسقط يمين مبرته بشاهد ويمين، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ‏.‏

النظر الثاني، في المحلوف عليه

وفي الجواهر‏:‏ يحلف على البت فيما ينسب لنفسه من نفي أو إثبات، وما يبسب لغيره من الإثبات، وعلى نفي العلم في النفي، نحو‏:‏ لا أعلم على موروثي دينا، ولا أعلمه أتلف ولا باع، ويحلف من ادعي عليه دفع الردىء في النقد‏:‏ ما أعطى إلا جيادا في علمه، ولو قال‏:‏ ما أعرف الجيد من الرديء‏:‏ قيل‏:‏ يحلف‏:‏ ما أعطيته رديئا في علمي، ويحلف في النقص على البت، لا على العلم، لا كل كل موضع يتمكن من معرفته حلف على البت، وما لا يكتفى بنفي العلم‏.‏

فرع قال‏:‏ تحل اليمين بغلبة الظن بما يحصل له من حظ أبيه، وحظ نفسه، أو من يثق به، أو قرينة حال، من نكول خصم وغير ذلك، وقاله ‏(‏ش‏)‏، بخلاف الشهادة، والفرق‏:‏ أن اليمين إما دافعة فهي المقصودة بالأصل في براءة الذمة، أو جالبة وهي مقصودة بشاهد أو غيره، والشهادة لا يقصدها إلا مستندها،

وقيل‏:‏ لا بد من العلم قياسا على الشهادة، وكلاهما خبر والقولان لمالك‏.‏

فرع قال‏:‏ المعتبر في اليمين نية القاضي فلا يصح توريث الحالف، ولا ينفعه قوله‏:‏ - إن شاء الله -، بحيث لا يسمعه القاضي‏.‏

قاعدة‏:‏ يجوز أن ينوي باللفظ ما يحتمله لغة من تقييد، وتخصيص، ومجاز، ونحوه، إجماعا، إلا في أيمان فلا يقبل ظاهرا ولا باطنا لما يؤدي إليه من إبطال فائدة الأيمان، لأنها إنما شرعت ليهاب الخصوم الإقدام عليها، فلولا ذلك لم يهابوها وفسدت الأموال والأبضاع ووالدماء، واستثنى بعض العلماء المدعى عليه وهو معسر تجوز له نية تخصه، لأن القول عدلا تغيير الظلم، وطلب المعسر ظلم، والإستثناء من القاعدة من منع من النية، لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏اليمين على نية المستحلف‏)‏ ‏(‏ويمينك على ما يصدقك عليه صاحبك‏)‏ والمستحلف يصدقك على الحاكم وصاحب الحق‏.‏

النظر الثالث‏:‏ في الحلف

وفي الجواهر‏:‏ بالله الذي لا إله الا هو، لا يزاد على ذلك في شيء من الحقوق، وقاله في الكتاب، ولا تغليظ بالألفاظ، وروى ابن كنانة‏:‏ الحلف في ربع دينار، وفي القسامة، واللعان عند المنبر‏:‏ بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الر حيم، قال ابن القاسم‏:‏ ولا يزاد على الكتابي‏:‏ والذي أنزل التوراة والإنجيل، ولا يحلفون إلا بالله، وعن مالك‏:‏ يحلف بالله الذي أنزل

التوراة على موسى، والنصراني‏:‏ بالله الذي أنزل الأنجيل، وفي الكتاب‏:‏ يحلف في كل شيء له بال، في جامع بلده، وفي أعظم مواضعه، وليس عليه استقبال القبلة، ولا يعرف مالك اليمين عند المنبر إلا منبر النبي - صلى الله عليه وسلم- في ربع دينار فأكثر، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب، وإن قال‏:‏ والذي لا إله إلا هو لم يقبل منه، ووالله فقط، لا يجزيء حتى يقول‏:‏ الذي لا إله إلا هو، لأنه تحليف رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، قال مالك‏:‏ ولا يحلف قائما إلا من به غلبة، وفي القسامة، واللعان، وفي ربع دينار فأكثر عند المنبر‏:‏ بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، وفي مساجد المدائن يحلف جالسا، ويتحرى في المال العظيم، والدماء، واللعان‏:‏ الحلف في الساعات التي يحضرها الناس في المساجد، ويجتمعون للصلاة، وفي غير ذلك في كل حين، وقال عبد الملك ومطرف‏:‏ الأيمان في الحقوق، والدماء، وغيرها‏:‏ بالله الذي لا إله إلا هو، للمسلم والكافر الكتابي وغيره، قالا‏:‏ ويحلف الرجال والنساء قائيمين مستقبلي القبلة، في ربع دينار فأكثر عند منبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي غير المدينة‏:‏ حيث يعظمون عند منبرهم، وتلقاء قبلتهم، وإن لم يبلغ الحق ربع دينار، حلفوا جلوسا إن أحبوا، وفي أقل من ذلك‏:‏ يحلف الرجل في الموضع الذي قضي عليه، والمرأة في بيتها، ومن لزمه الحلف عند المنبر ونحوه من المواضع فقال‏:‏ أحلف في مكاني، فهو كنكوله، وينتقل اليمين لخصمه، قال ابن حبيب‏:‏ وإن كان مدعيا بطل حقه، وقاله مالك، قال مالك‏:‏ وعمل أهل المدينة وبيت المقدس ومكة يجلبون إلى مسجديهما في القسامة ولو بعدوا، وفي سائر الأمصار من نحو عشرة أيام، قال ابن عبد الحكم‏:‏ يستحب للإمام التخويف من اليمين، وقد كتب ابن عباس إلى ابن أبي مليكة‏:‏ ‏(‏إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا‏)‏ الآية

فاعترف، وتخرج المرأة فيما له بال إلى المسجد في ربع دينار فأكثر، قال مالك‏:‏ وإن كانت لا تخرج نهارا خرجت ليلا قال محمد‏:‏ لا تخرج ليلا في ذلك، بل في الشيء الكثير، قال اللخمي‏:‏ اختلف إذا قال‏:‏ والله، ولم يزد، أو‏:‏ والذي لا إله إلا هو، ويقتضي قول مالك الإجزاء، لأنه يلزم بها الكفارة، قال مالك في الموازية‏:‏ يحلف بالله الذي أحيى الموتى، قال مالك‏:‏ ويحلف بمكة عند الركن‏.‏

فرع في الكتاب‏:‏ تحلف المرأة في بيتها في اليسير إن كانت ممن لا تخرج، فبعث القاضي اليها من يحلفها، ويكفي رجل واحد، وأم الولد كالحرة ممن لا تخرج أو تخرج، كما أن العبد ومن فيه بقية رق، كالحر في اليمين، والمكاتبة والمدبرة كالحرائر في اليمين، لأن الأصل‏:‏ المساواة، ويحلف النصراني واليهودي في كنائسهم، وحيث يعظمون، والمجوسي في بيت ناره، وحيث يعظم، في التنبيهات‏:‏ قوله‏:‏ لا يحلفون بالله، ولا يزاد‏:‏ والذي أنزل التوراة والإنجيل‏:‏ حمله بعضهم على ظاهره، ولا يلزمهم تمام الشهادة إذ لا يعتقدونها، فلا يكلفون ما لا يدينون به، قاله ابن شبلون، وألزم غيره اليهود ذلك دون غيرهم، لأنهم لا يوحدون، وقيل‏:‏ مراده‏:‏ حلف المسلمين، قاله أبو محمد، وقيل‏:‏ يلزم جميع ذلك وإن لم يعتقدوه، ويجبرون عليه، ولا يكون ذلك إسلاما منهم، بل هو حكم يلزمهم من أحكام الإسلام بعقد الذمة، كقضاء القاضي عليهم بأحكام الإسلام، وعليه متقدموا الأصحاب، والمرأة التي لا تخرج كنساء الملوك يبعث لها الإمام من يحلفها في بيتها ولا تمتهن، وهذا فيما يدعى عليهن، وأما ما يدعين فيخرجن لموضع اليمين، وحلفهم سحنون في أقرب المساجد اليهن، وقيل‏:‏ لا بد من خروجهن، فإن امتنعت حكم عليها حكم الملك، قال‏:‏ وليس بجيد، لأنهن

مكرهات فلا لذة مع الإكراه، وقيل‏:‏ ما له بال في حق النساء، هو المال الكثير، بخلاف الرجال، وقاله محمد، وقال محمد‏:‏ بل ربع دينار، قال ابن يونس‏:‏ قال الشيخ أبو الحسن‏:‏ للطالب تحليف اليهود يوم السبت، والنصراني يوم الأحد، ويجبران على ذلك، قال‏:‏ أما النصراني فكما ذكر، لأن من دينهم الا متناع من اليمين في يوم الأحد وغيره، وأما اليهودي‏:‏ فشرعه يوم السبت‏:‏ أن لا يبيع، ولا يشتري، ولا يطالب، ولا يستحلف، وبذل الجزية على هذا، فكيف يخالف العقد‏؟‏ بل يؤخر إلى زوال السبت، وأما تحليفهم بموضع يعظمونه، فمن شريعتهم‏.‏ وإذا رد ثوبا بالعيب‏:‏ قال محمد‏:‏ إن كان النقص أكثر من ربع دينار حلف بالجامع، وقيل‏:‏ بل المراعى إن كان الثوب قائما قيمته، لأنه يطلب الثمن، فلا بنظر الى قيمتة العيب، إلا أن يفوت، وإذا كان لك ربع دينار لا أقل ولا أكثر، قال اللخمي‏:‏ في الكتاب‏:‏ مستقبل القبلة، وقال مالك‏:‏ يحلف جالسا، وعنه‏:‏ قائما، وقاله عبد الملك‏:‏ إلا في أقل من ربع دينار، وتحلف المرأة في بيتها جالسة، وعن مالك‏:‏ ليس على من حلفه في غير المسجد أن يقوم، قال‏:‏ وأرى الاستقبال، كإن قل الحق دون القيام، وقد يحسن القيام في القتل، ولم يقم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللعان إلا في الخامسة أقام المرأة، وقيل‏:‏ أقام الرجل في الخامسة، وليس في الصحيح، ومن حلف في جميع ذلك اجزأه، قال محمد‏:‏ إذا أرادت المجوسية تحلف بالنار منعت، ولا تحلف إلا بالله، قال صاحب المنتقى‏:‏ إنما يحلف فيما عدا مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من المساجد عند المحراب، وإن لم يكن

بقرب المنبر، وأعظم شيء في المساجد‏:‏ المحاريب، وهو معنى قول مالك، وإذا كان المحلوف عليه غير مال كالطلاق ونحوه‏:‏ حلف على المنبرا، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وعند ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يغلظ في المال إلا في مائتي درهم أو عشرين دينارا وعرض يساوي أحدهما، لأنه يصل بين الغني والفقير، وجوابه‏:‏ أن هذا لا يدل على أن ربع الدينار ليس عظيما، بل كونه سبب القطع يدل على عظمه‏.‏ والتغليظ عندن يقع بخمسة أشياء‏:‏ بالزمان، وفيه قولان، وبالمكان، واللفظ بزيادة‏:‏ الذي لا إله إلا هو، واحد، يقتصر على اسم الله، والعدد في القسامة، والهيئة في القيام‏.‏ واستقبال القبلة، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في الأربعة الأول، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يغلظ بالزمان والمكان في شيء من الأيمان‏.‏ لنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏تحبسونهما من بعد الصلاة‏)‏ جاء في التفسير‏:‏ بعد صلاة العصر، وقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم‏:‏ رجل منع ابن السبيل فضل مائه بفلاة، ورجل بايع الإمام إن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه خانه، ورجل حلف على يمين فاجرة بعد العصر ليقتطع بها مال مسلم‏)‏ وهو لا يفعل ذلك إلا بإلجاج من الحاكم، فدل ذلك على أنه لازم، ولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رجل رامرأة بعد العصر‏.‏ وفي الموطأ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏

‏(‏من حلف على منبري آثما تبوأ مقعده من النار‏)‏ وفي رواية الموطأ أيضا‏:‏ ‏(‏من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه، حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قالوا‏:‏ وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله، قال‏:‏ وإن كان قضيبا من أراك، وإن كان قضيبا من أراك قالها ثلاثا ـ‏)‏ ولأن فيه زجرا عن الباطل، فشرع لتغليظ اللفظ‏.‏ احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البينةعلى من أنكر‏)‏ فأطلق ولم يقل؛ مكان ولا غيره، وفي حديث سهل‏:‏ ‏(‏أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم‏)‏ ولم يخص، ولأنه حجة فلا يغلظ كالبينة، وقياسا على ما دون النصاب‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن ما ذكرناه مقيد، وما ذكرتموه مطلق، ولأن ما ذكرتموه إنما سيق لبيان من يتوجه عليه اليمين، لا لبيان صفة اليمين، فلا يحتج به فيه على القاعدة المتقدمة‏.‏

وهو الجواب عن الثاني، وعن الثالث‏:‏ الفرق، فإن البينة تخبر عن أمر غيرها، فلا تهمة ولا تغليظ، والحالف مخبر عن أمر نفسه فاتهم، فشرع له الزاجر، وعن الرابع‏:‏ أن الاحتياط للمال العظيم دون غيره مناسب في الفرق، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ التغليظ بزيادة لفظ الصفات مستحب في جميع الأحوال، والقليل والكثير، فيزيد في‏:‏ عالم الغيب والشهادة‏:‏ الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم من السرما يعلم من العلانية‏.‏ وذلك عنده مفوض لاجتهاد الحاكم، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن استراب منه غلظ، وإلا اقتصر على قوله‏:‏ والله، والاقتصار عند ‏(‏ش‏)‏ على ذلك مخبر أيضا، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – اقتصر

عليه في تحليف ركانة، وجوز ‏(‏ش‏)‏ الاقتصار على صفة واحدة من صفات الذات، نحو‏:‏ وعزة الله، واستحسن ‏(‏ش‏)‏ التحليف على المصحف وبالمصحف، واحتج ‏(‏ش‏)‏ بأن النبي -صلى الله عليه وسلم - حلف اليهود فقال‏:‏ أنشدكم بالله الذي أنزل على نبي إسرائيل الكتاب، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى ونجى بني إسرائيل من آل فرعون‏.‏ وجوابه‏:‏ أنه لله حلف رجلا فقال‏:‏ والله الذي لا إله إلا هو‏.‏ ولم يزد، وافقنا ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل في أنه لابد من التحليف بالله في حق المجوسي وغيره، وإن كان لا يعتقده، لأنه لا يجوز تعظيم غير الله، والحلف بالشيء تعظيم له، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏ ولأنه إذا لم يعتقد عظم إثمه قديما‏.‏ تعجلت عقوبته فاتعظ هو وغيره، وخالف ابن حنبل فقال‏:‏ لا تغليظ بزمان ولا مكان ولا لفظ‏.‏

فرع في الجواهر‏:‏ يشترط في اليمين مطابقة الإنكار، قاله في الكتاب، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ إذا شهد شاهد بإقراره، لم يكن للطالب الحلف على غصب ولا غيره، بل لقد أقر له بكذا، وإن كان المدعى عليه غائبا زاد في يمينه‏:‏ أن حقه عليه لباق وما عنده به وثيقة رهن، ويقضى له، وإن ميتا زاد بعد الرهن‏:‏ ولا أبرأ منه ولا من شيء منه، ولا احتال على أحد به، ولا شيء منه، ولأنه عليه لثابت

إلى ساعته هذه‏.‏ ثم يقضى له، وإن مات صاحب الحق حلف الوارث البالغ مثل ذلك، إلا أنه يحلف على العلم، ولا يحلف من لم يبلغ، ويقضى لهما جميعا بالحق‏.‏

فرع قال‏:‏ إذا قبض البائع الثمن وأنكره، لم يحلف المبتاع‏:‏ ماله عندي شيء، بل‏:‏ ما اشتريت منه سلعة كذا، وقاله مطرف، وقال عبد الملك‏:‏ إن حلف‏:‏ ما له عندي شيء مما يدعيه برىء، وروى ابن القاسم القولين، قيل لمحمد بن ابراهيم ابن عبدوس‏:‏ إن أسلفته فقضاني بغير بينة، فإن حلف‏:‏ ما اسلفته فقد كذب، وإن لم يحلف غرم، قال‏:‏ يحلف وينوي ما استسلف منه سلفا يجب على رده إليه في هذا الوقت، ويبرأ من الإثم، وفي المنتقى‏:‏ قال مالك‏:‏ لابد أن يقول‏:‏ ما اشتر ولم استسلف، وإن تمادى على اللدد سجنه، وإن تمادى أدبه، لأنه غير الدعوى، فلابد من المطابقة بينها وبين اليمين، وأول قول مالك‏:‏ يكفيه‏:‏ ما له علي حق، وقاله الشافعية، لأنه إذا نفى كل حق فقد انتفت الدعوى، وقد يكون قضاه فيعترف بالبيع فيلزمه الغرم، وإذا بين المدعي السبب، وأنكر المطلوب وقال‏:‏ إنما أحلف‏:‏ ما له عندي شيء من هذا السبب، لم يجزه ذلك حتى يقول‏:‏ ولا أعلم له علم شيء بوجه من الوجوه، قاله أشهب، قال‏:‏ والظاهر‏:‏ إجزاء الأول، لأنه لم يطلب بغيره‏.‏

النظر الرابع، في حكم اليمين

وفي الجواهر‏:‏ حكم اليمين‏:‏ انقطاع الخصومة في حال، لا براءة الذمة، بل للمدعي بعد ذلك إقامة البينة، ويعتذر بأنه لم يعلم بها، أو بغيبتها، أما الحاضرة المعلومة، ففي الحكم بها روايتان‏:‏ المشهورة‏:‏ عدم الحكم، خلافا ل‏(‏ش‏)‏‏.‏ لأن عدوله عنها إسقاط لحقه منها، احتج‏:‏ بأن له غرضا صحيحا في

ذلك، وهو سلوك أقرب الطرق، وخفة الكلفة مع إمكان الاكتفاء‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إذا قال‏:‏ لي بينة غائبة فأحلفه لي وإذا قدمت قمت بها، فإن خيف ذهاب الغريم وتطاول الأمر لبعدها، أحلفه الإمام، وله القيام بها، وإن كانت في نحو ثلاثة أيام، لم يحلفه إلا على إسقاطها، ومتى استحلفه عالما ببينته ناكرا لها وهي حاضرة أو غائبة، فلا حق له فيها وإن قدمت، قال ابن يونس‏:‏ استحسن بعض القرويين‏:‏ إذا كان أمر البينة يطول عند القضاء، ويشتد على الخصم ذلك، فله أن يحلف عساه ينكل فتندفع الكلفة، وإن حلف فله القيام ببينته، لأن البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة، ومذهب عمر - رضي الله عنه - له القيام بالبينة مطلقا، وقاله الأئمة، وهو الأنظر الذي تقتضيه المصالح وظواهر النصوص‏.‏

فرع في المنتقى‏:‏ إذا حلف على المنبر دون أن يقتضيه صاحب اليمين لم يبرأ، وإذا رضي يمينه في بيته أو غيره أجزأه، ولا يحلف بعد ذلك، لأن التغليظ حقه وفد أسقطه‏.‏

فرع قال‏:‏ إذا قال‏:‏ اضربوا لي أجلا حتى أنظر في يمينه وأتثبت في حسابي، فعل ذلك بقدر ما يراه الحاكم بقدر طول الحساب‏.‏

فرع قال بعض العلماء‏:‏ يجوز لك طلب اليمين الفاجرة، وإن كان سعيا في منكر، لأنه لولا ذلك لبطلت الأيمان، وضاعت الحقوق، ولأنه لولا ذلك لما جاز للحاكم أن يأذن له في تحليف خصمه، لاعترافه أن خصمه كاذب، فيكون هذا مستثنى، كما جعل الحلف على نية المستحلف، والقاعدة‏:‏ أن النية للابطين‏.‏

فرع قال إمام الحرمين‏:‏ الحلف لا يجب، لأن جلب الحقوق ودفعها غير واجب، وفصل غيره فقال‏:‏ إن كانت كاذبة حرمت، أو صادقةـ والحق مما يباح بالإباحة كالأموال أبيحت إلا أن يعلم أن يعلم أن خصمه متى نكل حلف كاذبا، وجب الحلف لمعصية الكذب، أو مما يباح بالإباحة كالدماء والأبضاع، فإن علم أن خصمه لا يحلف إذا نكل، خير، وإن غلب على ظنه حلفه، وجب عليه الحلف، لأن حفظ هذه الحقوق واجب بحسب الإمكان، فكذلك يجب حفظ الودائع من الظلمة بالأيمان الحانثة، وكذلك من ادعى الرق أو نحوه من حقوق الله دعوى كاذبة، وهو يمكنه التخلص منها باليمين‏.‏

النظر الخامس‏:‏ في النكول

وفي الكتاب‏:‏ إذا استحلف المطلوب فنكل لم يقض للطالب حتى يرد اليمين عليه، فإن جهل المطلوب أرسال الحاكم طلب ردها فعليه أن يعلمه بذلك، ولا يقضي حتى يردها، فإن نكل الطالب فلا شيء له، وقاله ‏(‏ش‏)‏، قال‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يقضي بالنكول، ولا يرد اليمين ويقضي بالنكول، وقال‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن كانت الدعوى في مال كرر عليه ثلاثا، فإن لم يحلف لزمه الحق، ولا يرد اليمين، ولا يوجب القود، فلا يحكم بالنكول، بل يحبس حتى يحلف أو يعترف‏.‏ وفي النكاح، والطلاق، والنسب، وغيره لا مدخل لليمين فيه فلا نكول، وقال ابن أبي ليلى‏:‏ يحبس في جميع ذلك حتى يحلف‏.‏ لنا‏:‏ الكتاب، والسنة، والقياس‏.‏ اما الكتاب‏:‏ فقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم‏)‏ ولا يمين بعد يمين إلا

ما ذكرناه غير أن ظاهره يقتضي يمينا بعد يومين، وهو خلاف الإجماع فيتعين حمله على حمله على يمين بعد رد يمين، لأن اللفظ إذا ترك من وجه بقي حجة في الباقي‏.‏ وأما السنةا‏:‏ فما روي ‏(‏أن الأنصار جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - وقالت‏:‏ إن اليهود قتلت عبد الله ابن سهل وطرحته في فقير، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -‏:‏ أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم‏؟‏ فقالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ فتحلف لكم يهود، قالوا‏:‏ كيف يحلفون وهم كفار‏؟‏‏)‏ فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم - اليمين في جهة الخصم‏.‏ خرجه الموطأ وغيره، وما روي أن المقداد اقترض من عثمان رحمة الله عليهما سبعة الآف درهم، فلما كان وقت القضاء، جاء بأربعة ألاف، فقال عثمان‏:‏ اقرضتك سبعة آلاف، فترافعا إلى عمر، فقال للمقداد‏:‏ تحلف وتأخذ‏؟‏ فقال عمر لعثمان‏:‏ لقد أنصفك، فلم يحلف عثمان، فنقل عمر رضي الله تعالى عنه اليمين إلى المدعى عليه، ولم يختلف في ذلك عثمان والمقداد، ولم يخالفهم غيرهم، فكان إجماعا، وقياسا على النكول في باب القود، والملاعنة لا تحد بنكول الزوج، ولأنه لو وكل عن الجواب في الدعوى لم يحكم عليه، مع أنه نكول عن اليمين والجواب‏.‏ فاليمين وحده أولا لعدم الحكم ا، ولأن البينة حجة المدعي، واليمين حجة المدعى عليه في البغي، ولو امتنع المدعي من إقامة البينة لم يحكم عليه بشيء، فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين لم يحكم عليه، ولأن المدعي إذا امتنع من البينة كمان للمدعى عليه إقامتها وتوجهت، وكذلك المدعى عليه إذا قعد عن اليمين يكون للآخر، ولأن النكول إن كان حجة كاملة كالشاهدين، وجب القضاب به في الدماث، أو ناقصة كشاهد وامرأتين أو يمين، وجب استغناؤه عن التكرار، أو كالاعتراف، والاعتراف يقبل في القود بخلافه، والاعتبار لا يفتقر إلى تكرار بخلافه‏.‏ احتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الذين

يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا‏)‏ فمنع تعالى أن يستحق بيمينه على غيره حقا، فلا ترد اليمين، ليلا يستحق يمينه مال غيره، ولأن الملاعن إذا نكل حد بمجرد النكول، ولأن ابن الزبير ولى ابن أبي مليكة قضاء اليمن فجاء إلى ابن عباس فقال‏:‏ أن هذا الرجل ولاني هذا البلد، وإنه لا غنى لي عنك، فقال له ابن عباس‏:‏ اكتب إلي بما يبدو لك، قال‏:‏ فكتب إليه في جاريتين جرحت إحداهما الأخرى في كفها، فكتب إليه ابن عباس‏:‏ احبسهما إلى بعد العصر، واقرأ عليهما‏:‏ ‏(‏إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا‏)‏ قال‏:‏ ففعل ذلك واستحلفهما، فابت، فألزمها ذلك، وقال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البينة على من ادعى واليمين على من أنكر‏)‏ فجعل اليمين في جهة المدعى عليه فلم تبق يمين تجعل في جانب المدعي، وجعل حجة المدعي البينة، وحجة المدعى عليه اليمين، ولما يجز نقل حجة المدعي إلى جهة المدعى عليه، لم يجز أيضا نقل حجة المدعى عليه إلى المدعي، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏شاهداك أو يمينه‏)‏ ولم يقل‏:‏ أو يمينك‏.‏ ولأن البينة للإثبات، ويمين المدعى عليه للنفي، فلما تعذر جعل البينة للنفي، تعذر جعل اليمين للإثبات‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن معنى الآية‏:‏ أن لا يتعمد اليمين الكاذبة ليقطع بها مال غيره وهذه ليست كذلك، ومجرد الاحتمال لا يمنع، ولا يمنع المدعى عليه من اليمين الرابعة ليلا يأخذ بها مال غيره، بل يحكم بالظاهر، وهو الصدق‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن الموجب لحد الملاعن قذفه، وإنما أيمانه مسقطة، فإذا نفذ المانع عمل المقتضي، والنكول عندكم مقتضي، فلا جامع بينهما‏.‏ وعن الثالث‏:‏ أنه روي عن أبي أنه قال‏:‏ اعترفت فألزمها ذلك، ولعله برأيه لا برأي ابن عباس، فإن ابن عباس لم يأمره بالحكم عليها بذلك، و‏(‏س‏)‏ لا حجة في فعله‏.‏ وعن الرابع‏:‏ أنه ورد فيمن يتوجه عليه اليمين ابتداء، ونحن نقول به، وأما ما نحن فيه فلم يتعرض له الحديث، ألا ترى أن المنكر قد يقيم البينة إذا ادعى وفاا الدين، فكذلك اليمين قد توجه في حق المدعي في الرتبة الثانية‏.‏ وعن الخامس‏:‏ أنه لبيان من يتوجه عليه اليمين ابتداء في الرتبة الأولى، كما تقدم تقديره‏.‏ وعن السادس‏:‏ أنه لم يجعل اليمين للإثبات باليمين مع النكول، ثم إن البينة قد تكون للنفي كبينة القضاء فإنه نفي‏.‏

فرع قال ابن يونس‏:‏ إذا قضي بالنكول واليمين فوجد الطالب بينة قام بها‏.‏

فرع في الجواهر‏:‏ يحكم بالشاهد والنكول والمرأتين، والنكول من المدعى عليه‏.‏ خلافا ل‏(‏ش‏)‏، لأن النكول سبب مؤثر في الحكم فيحكم به مع الشاهد كاليمين من المدعي، وتأثيره‏:‏ أن نكول المدعى عليه ينقل اليمين في الحقوق كلها، بخلاف اليمين‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما